السؤال: هل قراءة القرآن فرض، بمعنى أنه إذا لم أقرأ القرآن طوال حياتي إلا في الصلاة والأذكار فقط لن أعاقب، وهل هناك دليل من القرآن أو من السنة على معاقبة تارك قراءة القرآن بانتظام. أرجو الإفادة. وجزاكم الله عنا خيرا. .
الجواب:
الحمد لله، ترك قراءة القرآن بالكلية من صور هجر القرآن التي ذمها الله تعالى في كتابه الكريم، وذلك في قوله عز وجل: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا. وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) الفرقان/30-31.
والآية وإن كانت واردة في سياق الحديث عن الكفار أعداء الرسل والرسالات، إلا أنها أيضا تدل على أن هجر القرآن هو من أعمال الكفار وشأنهم؛ فمن هجره هجرا تاما؛ فلم يؤمن به ولم يتله، ولم يعمل به: فهو كافر، قد حقت فيه الآية، وفي مثله تكون شكاة النبي يوم القيامة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " من هجر القرآن فهو من أعداء الرسول " انتهى من " مجموع الفتاوى " (4/106).
ومن فرط في تلاوته، أو تدبره، أو العمل به: فقد وقع في شعبة من شعب الهجر، بحسب ما ترك وفرط، ويخشى عليه، إن تمادى في ذلك، أن تنزع حلاوة القرآن من قلبه، فلا يستريح له، ولا يتغنى به، ولا ينشرح صدره به.
قال ابن القيم رحمه الله:
" هجر القرآن أنواع:
أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه.
والثاني: هجر العمل به، والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به.
والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم.
والرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به.
وكل هذا داخل في قوله: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) الفرقان/30، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض " انتهى. " الفوائد " (ص/82)
وسئلت اللجنة الدائمة السؤال الآتي:
ما حكم قراءة القرآن، أهي واجبة أم مستحبة؟ حيث سألنا عن حكمه فمنهم من قال: ليس بواجب، إن قرأ فلا بأس وإن لم يقرأ فلا شيء عليه، فإذا كان كذلك فقد يهجره الكثير، فما حكم هجره وما حكم تلاوته؟
فأجابت:
المشروع في حق المسلم أن يحافظ على تلاوة القرآن، ويكثر من ذلك حسب استطاعته؛ امتثالا لعموم قول الله سبحانه وتعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ)، وقوله: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ)، وقوله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن، فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة) أخرجه مسلم في صحيحه.
وأن يبتعد عن هجره والانقطاع عنه، بأي معنى من معاني الهجر التي ذكرها العلماء في تفسير هجر القرآن. . قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره: يقول تعالى مخبرا عن رسوله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)، وذلك أن المشركين كانوا لا يصغون للقرآن ولا يستمعونه، كما قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ)، فكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره حتى لا يسمعوه، فهذا من هجرانه، وترك الإيمان به وترك تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه " انتهى.
عبد العزيز بن باز – عبد الرزاق عفيفي – عبد الله بن قعود – عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (4/100-102)
والله أعلم. .
مصدر المقال: موقع الإسلام سؤال وجواب